في مقابلة سابقة مع أخبار مصر اليومية، قالت السفيرة السلوفينية لدى مصر تانيا ميسكوفا رواية السلوفينيين الذين هاجروا إلى مصر في القرن العشرين في مواجهة عدد من الحروب التي ابتليت بها دول العالم اليوغسلافية السابقة في ذلك الوقت. ليستقروا في الإسكندرية، حيث بدأ العديد من المهاجرين في إعادة بناء حياتهم، وكانو ليجدو لأنفسهم مكاناً لتحسين مستوى المعيشة وفرص اقتصادية جديدة.
شعوب المنطقة السلوفينية شهدت أراضيها الحكم الإيطالي بعد الحرب العالمية الأولى، تلاها عملية مكثفة سميت بعملية الطالية الفاشية أجبرت من خلالها حكومةُ بنيتو موسوليني الفاشية الأقليات اللغوية المقيمة على الأرض الإيطالية (خصوصا الأقلية الألمانية في ألتو أديجي، والأربيتانية في فالي داوستا وتلك السلوفينية والكرواتية في فينيتسيا جوليا) لتبنّي اللغة والثقافة الإيطالية فقط. عندما هاجروا إلى مصر، العديد من النساء السلوفينية وجدوا فرص عمل كخادمات في منازل العائلات السكندرية الإيطالية، مع أنهم يشتركون في القواسم المشتركة اللغوية. رجل الدولة المصرية البارز والأمين العام السابق للأمم المتحدة غالي بطرس قد ربته امرأة سلوفينية تسمى ميلينا.
معظم الرجال السلوفينيين الذين جاءو إلى مصر في ذلك الوقت، عملو كهربائيين. هذا الجانب الحيوي والمهم من تاريخ الإسكندرية، مع تدفق للمهاجرين السلوفينيين، أنتج ظاهرة تعرف باسم "السكندريين".
السفارة السلوفينية في مصر، بالتعاون مع السفير ومساعدها المسيحي سمير سهلت المقابلة التالية مع حفيدة امرأة سلوفينية والتي وجدت نفسها في الإسكندرية في منتصف القرن ال20. ما يلي هو نسخة مختصرة من محادثة مع سلوى حجازي وابنتها أميرة. غادرت جدة سلوى سلوفينيا في فترة ما بين الحربين ووصلت في الإسكندرية في عام 1932. حجازي أنشأت النادي الاجتماعي للأحفاد السلوفينيين المهاجرين إلى مصر.
كيف وصلت جدتك إلى سلوفينيا ؟
سلوى حجازي: كانت جدتي من منطقة نوفا جوريكا، والتي تقع في غرب سلوفينيا على الحدود مع إيطاليا. وولدت في مدينة بيليي. عائلتها كان لهم مزرعة وكانوا يعيشون في نوع من اليسر. تزوجت جدتي وأنجبت ابنة، ولكن للأسف تم تجنيد كل رجال العائلة من قبل الجيش الإيطالي كما كانت هناك العديد من الحروب. لم يكن هناك رجال لمساعدة الأسرة في عملهم في المزرعة. وعلاوة على ذلك، كان الوضع غير آمن. وهكذا، حول عام 1932، جدتي، والدتها، أختها وابنتها سافرو إلى تريست، في إيطاليا. من هناك، أخذوا قارب، وجاءو إلى الإسكندرية. في ذلك الوقت، كانت الإسكندرية ممتلئة بالأجانب من بينهم عدد كبير من الإيطاليين، أيضا، المجتمعات السلوفينية كانت بأعداد كبيرة جداً لأنها قد بدأت تتجه إلى مصر منذ عام 1800.
وجدت أخت جدتي عمل كموظفة استقبال في فندق يسمى سيسيل لأنها تحدثت أكثر من لغة بما في ذلك الإيطالية والألمانية. أنا لست متأكدة مما اذا كان أيضا عملت جدتي هناك أم لا، حيث كان عمر ابنتها خمس سنوات فقط.
هل ظاهرة "السكندريين" معروفة في سلوفينيا ؟
أميرة: أستاذي (في اشارة الى المعلم الذي علمها السلوفينية في مخيم صيفي في سلوفينيا)، الذي كان أيضا من منطقة نوفا جوريكا، عرفت عن هذه الظاهرة، وطلبت مني أن أرسل لها بعض الاشياء بخصوص هذه الظاهرة كما يدرس طلابها ذلك.
سلوى حجازي: عندما كنت في زيارة لمدينة جدتي، قرأت اعلانا عن طريق الصدفة عن صنع مسيرة التضامن التي من شأنها أن تكون مشابهة لتلك التي قامت بها جدتي جنباً إلى جنب مع سلوفينيين آخرين إلى تريست، من الذين أخذوا قوارب للهجرة إلى المدن في جميع أنحاء العالم. كانت مفاجأة لطيفة أن جدتي لا تزال تذكر الناس وما زالت تبذل شيئاً لهم.
كيف حافظ السلوفينيين على ثقافتهم في وجه الصراع ؟
سلوى حجازي: أتذكر حادثة قديمة عندما حاول السلوفينيين طباعة كتب اللغة السلوفينية (خلال الحرب العالمية الثانية). تحقيقاً لهذه الغاية، لقد أرادو إنشاء دار للطباعة وجهت من الألمان (الذين كانوا يسيطرون على أجزاء من الأراضي السلوفينية في ذلك الوقت) الذي في نهاية المطاف قاموا بالتخلص من 25٪ من النخبة الثقافية والتعليمية السلوفينية. للالتفاف على السيطرة الألمانية، لجأ السلوفينيين لتهريب كتبهم في براميل من الخمر، للسماح للناس لقراءتها، للحفاظ على هويتهم ولغتهم. كما يمكنك أن تقول، قضى السلوفينيين حياتهم يقاتلون للحفاظ على لغتهم وهويتهم.
وبقدر ما أعرف، علاقة مصر مع جمهورية يوغوسلافيا السابقة كانت جيدة جدا، وخاصة مع الرئيس اليوغسلافي السابق جوزيب بروز تيتو. ماذا عن وجود عبد الناصر في سلوفينيا؟
سلوى حجازي: عندما ذهبت إلى فيلا بليد في سلوفينيا، التي زارها عبد الناصر، فإنهم لا يزالو يحافظون على صورة له مع تيتو " الرئيس اليوغسلافي السابق" حيث أخذت صورة لها. وعلى الرغم من هذه العلاقة القوية، فإنه لأمر محزن أن الناس هنا الآن بالكاد يعرفون عن يوغوسلافيا. وعلاوة على ذلك، أنهم لا يعرفون عن دولها المنفصلة. أتذكر عندما ذهبت لتقديم أوراق تتعلق بنادي السلوفينية في مصر في وزارة التضامن الاجتماعي، الأشخاص هناك يعتقد أنه كانت سلوفاكيا بدلاً من سلوفينيا. إذا كنت تخبر أحداً هنا عن سلوفينيا، فإنهم لن يعرفوا أي شيء عن ذلك، الناس يعرفون عن سلوفاكيا وليس سلوفينيا.
وقالت السفيرة السلوفينية لدى مصر تانيا ميسكوفا لأخبار مصر اليومية أن السلوفينيين في الأرجنتين لديهم مجتمع قوي جداً ويضعون تركيزاً قوياً على تعلم أطفالهم. السلوفينيين في الولايات المتحدة، مع ذلك، فقد تم استيعابهم في الثقافة السائدة، وفقدوا إلى حد كبير هويتهم التاريخية. هل لك أن تخبرنا أكثر عن المجتمع السلوفيني في مصر ونادي السلوفينية الذي أقمته؟
سلوى حجازي: في البداية، لم أكن أعرف أن المجتمع السلوفيني في مصر ليس كبيراً جداً. كما كانت بارزة جداً في الإسكندرية في الماضي، تصورت أنه سيكون لا يزال الكثير منهم هنا. عندما سألت في السفارة أبلغوني أن العدد قد تضاءل بشكل ملحوظ. ومع ذلك، عرضت السفارة لمساعدتي على الرغم من ميلي إلى الاستسلام كما شعرت بخيبة الأمل.
أود من أطفالنا معرفة أصولهم. السلاف، خصوصاً السلوفينيين تم فصلهم واضطروا للهجرة في مواجهة العديد من الحروب. حتى اليوغوسلافيين، بالأخص السلوفينيين حاولوا إنشاء أندية خاصة بهم في بلدانهم الجديدة، حيث تمكنوا من جمع والحفاظ على ثقافتهم وهويتهم. ويمكنك العثور على العديد من السلوفينيين في أستراليا وكندا. وهناك جالية كبيرة جداً منهم في الأرجنتين. السكان المحليين في سلوفينيا 2 مليون نسمة، في حين في الخارج، يمكنك أن تجد 4 مليون سلوفيني. نادي لسلوفينيا يساعد على لم شمل الشتات السلوفيني. هذا هو السبب في أنني أريد أن أفعل شيئاً هنا. في النهاية، حتى لو كان أعداد السلوفينيين ليست كبيرة جداً في مصر، أود إنشاء النادي الخاص بنا.
هل يمكن أن تخبرني المزيد عن النادي وأعضائه؟
سلوى حجازي: هو نوع من مجموعة مغلقة من الناس، مع بعض الأصول السلوفينية، وبعضهم بجواز سفر سلوفيني، هناك أيضاً اثنين من الرجال السلوفيني متزوجين من نساء مصريات، ورجال مصريين متزوجين من نساء سلوفينيات. كما يستضيف مجموعة من رجال الأعمال المصريين العاملين مع سلوفينيا.
هل لك أن تخبرنا عن الصعوبات البيروقراطية التي واجهت النادي؟
سلوى حجازي: من أجل إنشاء المركز الرسمي الخاص باللقاء، واجهنا الإجراءات البيروقراطية الصعبة. أنا لا أعرف لماذا يأخذ هذا وقتاً طويلاً للموافقة على تأسيس النادي. قدمت الأوراق والمستندات في مايو عام 2015. وجاءت الفكرة بالنسبة لي حتى قبل عام ولكن لم أكن أعرف إلى من يجب أن أتوجه. لذلك، ذهبت إلى السفارة مع شهادة ميلاد جدتي وجواز سفرها اليوغوسلافي التي كانت قد جددت حتى وفاتها. ساعدتنا السفارة لتأسيس شرعيتنا. قد بدأنا 17 عضواً عندما قدمنا أولاً الأوراق إلى وزارة التضامن الاجتماعي، وحالياً قد وصلنا إلى 35 عضوا.
هل يهدف النادي إلى نشر الثقافة السلوفينية بين المصريين؟
سلوى حجازي: في هذه الأثناء، لا. نحن مجموعة مغلقة من السلوفينيين، وواحدة من الأهداف الرئيسية لدينا هي أن يكون أطفالنا مرتبطين بسلوفينيا. لربما في المستقبل، قد ننظم مؤتمرات لتقديم الثقافة السلوفينية للجمهور المصري. المشكلة هي أن هذا البلد صغير ولا أحد يعرف الكثير عنه. شئ وحيد أنا سعيدة لأجله أن مهرجان فيلم الإسكندرية الماضي، عرضت فيه أفلام سلوفينية.
ماذا عن اللغة السلوفينية الخاصة بك؟
سلوى حجازي: جدتي، عمتي، أمي وأصدقائهم اعتادوا على اجراء محادثات بين أنفسهم باللغة السلوفينية، وكانت لغتهم السرية. وتحدثت والدتي السلوفينية بطلاقة، كما تحدثت الفرنسية، كما تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية وإيطالية، وأيضاً تحدث أبناء عمومتها الإيطالية كذلك. وكانت تستخدم اللغة الإيطالية للتحدث مع والدي، السلوفينية ليست لغة شائعة وهي صعبة بعض الشئ. أستطيع أن أفهم فقط الجمل وقول جمل قصيرة، ولكن لا أستطيع أن أتكلم بطلاقة.
كيف أتت ابنتك أميرة إلى سلوفينيا لتعلم اللغة السلوفينية؟
لقد كانت متحمسة إلى قصص جدتي التي كنت أقولها لها وحول أصولنا السلوفينية. كنت أعلم ببرنامج تأسس في سلوفينيا ينظم مخيم صيفي سنوي للأطفال ذوي أصول سلوفينية الذين يعيشون في الخارج. ويمكن للأطفال المشاركة في المخيم حتى سن 14 عاماً، يأتون إلى سلوفينيا لرؤية هذا البلد وتعلم اللغة. الصيف الماضي، قدمت أميرة وانضمت إلى المخيم، وقالت إنها استمتعت كثيراً وأجرت مقابلة على برنامج تلفزيوني سلوفيني. وقالت إنها أصبحت أكثر تعلقاً بهذا البلد ولغته، وثقافته. أيضا، أصبح شقيقها أكثر تعلقاً لأنهم واجهوا من القصص التي قد سمعت منا عندما كانوا أصغر سناً. عندما كانوا في سلوفينيا، أبنائي أخبروا آخرين في المخيم عن قصص تتعلق بمصر، ولذلك كنت سعيدة حول هذا الصدد الثقافي بين البلدين.